| |
هيفاء بن مسعود |
هيفاء بن مسعود مولودة في: 25 سبتمبر 1990 بـالهوّاريّة. تلميذة بالمدرسة الإعدادية بالغرفة (الهوارية). |
كان الطّقسُ جميلا ... السّماءُ كعين الطّفل صفاءً، العصافيرُ تزقزقُ كأنّها في وليمةٍ أو عرسٍ. كيف لا، وفصلُ الرّبيع قد حلّ بروائحه الفوّاحة ؟ خرجت رحمةُ تتجوّلُ في الحقول قرب الغابةِ تُطرد عنها بعض ما علق بذهنها من إرهاق. وفجأةً شاهدت عن بُعدٍ صيّادا يحمل بندقيّة ويتقدّم نحو شجرة ظليلة متفرّعة الأغصان، ويدورُ حولها كأنّه يبحث عن شيء ثمين. يرفع بصره حينا، ويخفضه حينا آخر. وأخيرا أطلق النّار فجرى كلبه يحمل له الطّريدة: إنّها يمامة! ها هي تتخبّط في دمائها. ماذا عساها تقولُ لو كانت تتكلّم ؟ ها هي تفارق الحياة بعد حركة عنيفة من جناحيها. وضعها الصّيّادُ في جِرابه ومضى في سبيله فخورا بنفسه وبكلبه.
تساءلتْ رحمةُ لماذا لم تفرّ اليمامة قبل وصول الصّيّاد ؟ هل كانت نائمةً ؟ هل كانت منشغلة بالبحث عن الحبّ أو الماء ؟
اقتربت رحمةُ من الشّجرة فرأت عشّا تناثرت أجزاؤه هنا وهناك. رأت في أسفل الشّجرة فِراخاً صغيرةً قد دَمِيتْ أجسامُها الصّغيرةُ وفارقت الحياة. ها هو فرخ آخر يختفي بين الأعشاب. إنّه يلهث وقلبه يخفق بسرعة شديدة.
أمسكت رحمةُ الفرخ بين يديها وهي تتساءل:"هل هذا الفرخ محظوظ أم هو تعيس لأنّه سيتعذّب بيتمه ؟ اللّه أعلم بما يخفي له القدر".
فكّرت رحمةُ في مصير الفرخ فوجدته يفتقد الفراش والأمّ الحنون. وأحسّت أنّها ستكونُ مُذنبةً لو هي تركته في الغابة بمفرده.
حملت رحمةُ الفرخَ معها إلى المنزل. ضمّدت جراحه وأطعمته وسقتهُ.
ومرّت الأيّام ولم يعد الفرخ فرخا بل أصبح عصفورا يطلق زقزقاتٍ حزينةً يحكي فيها قصّة يتمه وموت أمّه وإخوته...
أحسّت رحمة أنّ غناء عصفورها مختلف عن بقيّة العصافير فحزّ ذلك في نفسها كثيرا. ثمّ قرّرت إطلاق سراحه. فتحت رحمة القفص فطار العصفور إلى أعلى يحلّق في الفضاء، إنّه يتّجه صوب نفس تلك الشّجرة التي فتح فيها عينيه على هذه الحياة وكأنّه يبحث عن أمّه وإخوته، لكنّه ما وجد غير عصافير مختلفة الأشكال والألوان. فحطّ مكان العشّ المفقود وأخذ يغنّي أغانيَ تدمي القلب.
مرّت الأيّام والشّهور، وكبرتْ رحمةُ واشتاقت إلى العصفور، فقصدت تلك الشّجرةَ في أحد فصول الرّبيع فإذا بها مُلأت أعشاشا لعصافير من نفس جنس عصفورها. وسمعـــتْ زقزقاتٍ حلوةً مرحةً...
الصّيّاد فقط لم يكن موجودا...
غادرت رحمةُ المكانَ نشوانةً تنساب على خدّيها دموع الفرح والغبطة. وفي طريق العودة، سمعت عويلا مُنبعثا من منزل قرب الوادي ورأتْ حشدا من النّاس يتجمّعون.خفق قلب رحمة وأيقنت أنّ خطبا عظيما قد حلّ بأهل ذلك المنزل. ودفعها الفضول أن تسأل رجلا اعترض سبيلها: - ماذا هناك يا عمّاه؟
- مسكين جارنا الصّـيّاد !
- ماذا ألـمّ به ؟
- لقد رجع من الصّيد كعادته. وضع بندقيّته فوق السّرير وجلس بجانب زوجته يرتشف كأسا من الشّاي وفي غفلة منه ، أخذ ابنه الصّغير يلهو بالبندقيّة ومن غير قصد انطلقت رصاصة فأصابت الصّـيّاد بجرح خطير، ومن ألطاف اللّه أنـّه لم يمت.
- الحمد للّه أنّه لم يمت.
وقصدت الفتاة منزل الصّيّاد. لماذا يا ترى؟